• Posted by : Unknown السبت، 8 أغسطس 2015



    الفصل السادس : الجزء الأوّل | [وويحُكَ , تمهّل! إنْ السرّ ما زال في بدايته!] 

    ,.,.,.

    تَهرُبُ مِنها , تُريدُ الخلاصَ الأكيد , فِرارها لا شيء بالنسبة لسرعة الأخرى 
    توقفت .. جثتْ على رُكبتيها تلهث ! نظرتْ خلفها , مُلِئتْ فزعاً من منظر نفسها
    إنها هيَ , خُبثُها بادٍ , الذاتُ المُظلمة , لم تستطع تفسير لِمَ ترى إنعكاس لها في وادٍ
    حالك , مسحتْ دموعها .. صُدِمَتْ بالدم الذي ينزفهُ وجهها ..
    ــ أين عيني؟ .. عيني الأخرى .. لقد ..
    إرتجف بدنها , وللضحكاتِ المُخزية سامِعة , أصداءَ تكررتْ من الواقفة امامها
    ــ لم يبقَ لكِ شيء .. لا شيء مُطلقاً .
    بكتْ على حالِها , ترى الجميع يُمحقون , والديها .. صديقتها المُقرّبة , ثم من أحبتْ!
    إرتسمت الصورة وتشكلّتْ , لوحة فنيّة خالِدة عبر الزمنِ , لوحة جسّمتْ إذلالَ قرونٍ 
    مُتتالية ’ إختلاطاً في الأجسادِ والدماء , لا تعلم إنْ كان ما تَراهُ رأسٌ أم رِجل !
    سُحِرتْ بالنظرِ إليها وبمجردِ طرفِها لعينيها صارت المُستطيلةُ تبعثُ وجوهاً مُتصِلة بها 
    إنتفضتْ عِندما ظهر أبويها أمامها بنصف جسد من باطِن اللوحة الأدجنُ الحُمرة
    غوثهم , إستنجادهم بها وعِتابَهم لها قدْ صمَّ أُذنيها , لم تعد سامِعة لشيء .. بدأ وجهها 
    بالذوبان , بالتحوّل لسائلٍ غليظٍ احمر .. بدأ بالتلاشي , شيئاً فشيئاً إضمحلّتْ الصورة 
    ومُحِقَ بُعدها الأخر , فتحتْ عينيها وما تزالُ بِـ أحداث الباطِلِ مُتصلة ..
    ــ يالها من لوحة جميلة .
    ظهرالإستِفهام في ملامح الجالس بجانبها , عرف إنّها تُشاهِد كوابيساً بعد أن مرّتْ سياطُ
    الظُلم بِأنحاء جسدها المشوّه . كدّتْ لتستطيع الوقوف .. نازلة على الأرضِ ..
    سقطتْ , فصرخت مِن ألمِ ساقيها .. أكثرُ ما تضرّرَ أزاء عذاب اللعين ذاك , إنحنى مسنداً
    إياها , رمقتهُ بغضب ! هي تتذكرُ , تتذكرُ كلَّ شيء .. يومَ إستغاثتْ بِإسمه والجاهِلُ راضٍ
    بـ إلتحام السوط بلحمها ! دفعتهُ عنها بصفعة فقابلها بِـ إبتسامة رعناء .. 
    زادَ تصرُفَهُ الغيظَ في داخلها , أيبتسم في أنينها؟ في شِباك الديياجير عالقة , تتخبط بين 
    زمنٍ واخر , تجدُ نفسها في أماكن غير مألوفةً لها , سُرِقتْ ذاتُها أفعليها الثأرُ لو كانت 
    نفسُها كالقريب المقتول يُطالب في قبرهِ القصاص! . أفكارُها في حاجةٍ لتأويل ..
    مشوّشة , مُنهَكة .. تُريدُ نهاية الطريق , بداية حياة أُخرى .. ليتها تصيرُ سراباً !
    تتوالى النائبات والمصائب  فُجاءة , لا إرهاصات سابقة في صيرورة ما يأتيها ..
    تنفّستْ بعمق , بينما إبتعدَ قليلاً عنها , لم تسأله أينَ ذهب , فقد رَجِعَ بسرعة حامِلاً
    كأسَ ماء , شرِبتهُ دُفعة واحِدة , وما إن إبعدتْ الكأس عن فمها , حملها دون إذنٍ فصفعته 
    للمرّة الثانية , إستَمّرَّ في المشيِّ غَيرَ آبهٍ , بَعدَ شهرينِ مِنَ الإنتِظارِ كَي تصحو وها هي
    الآن تُريد إفساد العلاجات ألتي قام بها خلاللهما , سيقتُلُها بالتأكيّد إن فَعَلَتْ !
    ما أحصى عدد الصفعات التي تلقّاها  مِنها إلى وصولهِ حيثُ السرير , تجاهُلُها هو الحلُّ
    الأنسَب الأن ! . غَفَتْ بسُرعة خياليّة , إبتَسَنمَ فهو يَعلَم كَم حُبُّها للنومِ عَميق , كَلّم نفسهُ 

    ــ أتسائلُ مِنْ أينَ عليَّ البدء إن أرادتْ شَرحاً , مات والداها على يديّ لا رَيبَ في ذلك 
    مُتأكّدٌ إنّها تَكرَهُني , لَم يَعُد هُناكَ شيء .. لم يكن لي شيء من البداية أصلاً !

    أدمَعَتْ عينهُ وقبلَ أن يَعي بُكاءهُ المرير , أحسّ بيدٍ تمسح دموعه , فلوجهه أشاح , تسخرُ 
    منه في ذلك؟ نهضَ دون النَبسِ بحرف مُعقِباً خلفهُ إيّاها مُتفاجئة وفي لحظاتٍ أنكَسَتْ رأسَها 
    خَلتْ مع الرفيق العقليّ لها , الحقير وهكذا لَقّبته .. 
    نعتتهُ بأقبَح الكلمات وما طَرَف لهُ جُفن! يجلسُ على سريرها وكأنّما الغُرفَة مِلكُهُ , تكادُ تُجزِم 
    إنّهُ أصَمٌ! يَلعبُ بـِ أظافِرهِ الطويلة سوداء اللون , هيَ لا تُنكر كم شكلّهُ وسيم , عيناه ناريّتان 
    تلمعان في الظُلمة الجالسان فيها , وشعرهُ أسودٌ كلون أظافره ..
    مع ذلك رأتْ شكلهُ الحقيقيّ , فعزمت على مناداته بالقبيح .. قاطع ثرثراتِها المُغيظة 
    ــ كفّي عن الثرثرة , أشكُريني بدل ذلك لإبقائكِ حيّة وكوني خادمك أيظاً!
    تلفّتت يميناً وشمالاً , نظرَ إليها بفظولٍ عمّا تَبحَث , إبتسمتْ بِشَر وإنتَشَلتْ
    حِذائيَّ قدميها ألمَرميّان  على أرضَ الغُرفة الخشبيّة سوداء الطِلاء
    , نهضَ مُختَلِساً إنشِغالَها ,  وقبل أن يخطو أكثر من خطوتينِ 
    ضُرِبَتْ رأسُهُ فـ إهتاج صَميمُ قلبهِ غيظاً , أتظنّهُ بهذا الضعف؟ إختفى مُتَبَخِّراً ليظهر أمامها
    في ثوانٍ , أمسَكَ مِعصمها ضاغِطاً بقوّة , وبتهديدٍ قال 
    ــ إسْمَعي يا فتاة , لستِ في مقامٍ يجعلُكِ تتصرّفينَ هكذا! أنا مَنْ سَلَخ جلدَكِ لو كُنتِ تَذكُرين؟
    أتُريدين كرّةً أُخرى؟ سأفعَل ذلك إن -
    حَشَتْ فَمَهُ بفردة الحِذاء الأُخرى , مُحشِرة إيّاها  بقوة , أظهَرَ وجههُ الإشمئزاز بينما تسحَبُهُ  
    ــ تعابيرُ وجهُكَ أوسَم هكذا .. 
    __

    توّقفا , بعدَ مشيٍ موجع للأقدام امام ذاك الباب , تنهّدَ واضِعاً يدهُ على المِقبَض 
    ــ هَل هذا هوَ صفّي؟ أمُتأكِّدة؟ 

    ــ أجل , مُتأكِّدة , هيّا إفتَح الباب .


    زَفَر مُرتَبِكاً , كيفَ سيكون تَعامُلَ الطُلّاب معهُ , يكرهُ هذا الشعور !
    وبعدَ طولِ تفكيّر فتح الباب بثقة , وتلك الثقة تلاشتْ فورَ رؤيتهِ لِنظراتهم , بدوا
    لهُ كالمجانين , حلقُهُ قد جفّ فلم يستطع الإتيان بحرف , تحدّثتْ [ميليفاي]  عنهُ مُرَبِتة 
    على كتفهِ بتعابير بلهاء 

    ــ اهلاً بكم , لم اركم منذ زَمَن , معي اليوم طالبٌ جديد وهوَ خجولٌ قليلاً لذا 
    شبَّ نظره عندما رآكم , ليسَ لإنّكم قبيحون او ما شابه .

    خيّم الصمتُ مع نظرات كما لو كانوا ثيران هائجة! ولولا تواجِد المُعَلّم لما مرَّ الأمرُ على خير
    أشار لهُ بيده , فتقدّم يوتاكا متوعدّاً في قرارته بنحرها الليلة! , صارَ أمامهم تماماً فطلبَ المعلم
    أنْ يُعرّفهم بنفسه , أعلنَ : أُدعى [يوتاكا يوري] .. حسناً وبعد .. هذا فقط .
    لَم يجد شيئاً بُقال , ماضيه , والديه , منزله او حتى أُخته .. كُلُّ شيء إضمَحلَّ فآوى للسكوتِ
    مُتَجِهاً لِمِقعَده , جلسَ جامِد ساكِن البصر , يُحَدِّق أمامهُ . في كُلِّ جانِب سبعُ كراسٍ مُتراصّاتٍ
    وفي الوسط صفّين مكونيّنِ من تسع كراسٍ , جميعُ شاغِريها مُتَعَكّريّ المِزاج , كأنَّ الحالة هُنا 
    عدوى مُميتة! سَمِع صوتاً كريها يمقتهُ 
    ــ مرحباً بقصير القامة , لم أركَ منذُ أربعة أشهُر!

    إتسعت عينيه كالصنمِ ! فرّ رأسهُ وما إنْ تحقق من هويّة صاحب  الصوتِ صرخ 

    ــ مالذي تفعلهُ هُنا؟!! حتى في الجحيم أجدكَ أمامي ! ومن هو قصير القامة .. أُصِبتَ 
    بالعمى , [هان]! لا تجلس بجانبي , هيّا انهض .

    ــ أنا اعيش هُنا منذ صغري , أنت هو الطُفيليّ , مُقارنة بسنك أنت قصير بالنسبة 
    لي , صحيح إنّهُ مِقعَدي مذ كنتُ صغير وبعد أن تخرّجت لم يجرؤ أحدٌ على لمسه 
    وأنت تطردني منه , مضحك بالفعل .

    بغى الردّ لولا صوتُ المُعلّم الذي أعلّنَ بداية الحُصّة الثانية فما عادَ له لِذلكَ سَبيل
    ليسَ مِمّنْ لا يدرونَ ما الذي يُشّرحُ لهم , فقد كان تركيزهُ عالياً ! 
    في مُنتَصَفِ الوقتُ وقبلَ أن ينتهِ درسُ حِفظ التعاويذ -كيفية إستِدعاء الشياطين-
    سَمِعَ يوتاكا صوتَ طرقٍ جَهِلَ مصدرهُ , بجهدٍ بَحَثَ لكن دونَ جدوى , فالتلاميذُ
    جميعاً مُنتبهين على حسبِ إعتِقادهِ فهو لا يرى من خلفه! 
    نآى عقلهُ وحديث المدرّس ما عاد يفهمهُ بسبب مُراقبتهِ لـ قلم اللوح الألكترونيّ
    يتحرك وحدهُ على المائدة المخصصة لجلوس المعلم , لا يجرؤ على النطق ومقاطعة
    المعلم , وبنفس الوقت , لا يصبرُ خوفهُ الإنكِتام أكثر! إنتهتْ الحصّة , وما بقيَّ لابِثاً في 
    مِقعَدِهِ إلّا وسألَ [هآن] جاراً إيّاه : هل رأيت؟ رأيتَهُ صحيح؟ 
    حاولَ هان إفلاتَ يد الأخر ونجح في ذلك مُهدِئاً بعدها : إهدأ , ما خطبك؟

    ــ هل هذه الغُرفة مسكونة؟ أقصد مِنْ قِبَل الجِنْ! فقد رأيتُ قلم الكِتابة يتحرّك وحدهُ 

    وسمعتُ طرقّاً مصدرهُ لم اعرفه وغير ذلك! 

    ضحكَ وكأنّه يسخرُ من أربعين نَفَساً , ثمَّ جاوَبَ : يا رجُل أتخاف مِن هذا بعدَ ما 

    إعتَبَرَ المُعتَبِرُ مِن ما مرّ بِكَ وأمرّكَ؟ أجل رأيتُ ذلِكَ , هوَ جنيُّ يُقال شَرِبَ دم 
    رجلٍ ماتَ هُنا , فـ إستَساغَهُ , باقياً في هذا الصف , غيرَ مؤذٍ لكنّهُ يظهرُ من دون
    إنذار , لذلِكَ وجوده مُزعج قليلاً ! .
    أثنى مستوى نظرهُ قليلاً فـ إستأنف : أنظر خلفك , قد ظهر لِإنّي قُلتُ إنّهُ مُزعِج .
    مُلِيءَ كَيانُهُ رُعباً , يكفيه من عَقَدَ معه , مرغوماً أدار رأسه فأدنى بصره , شهقَ خوفاً 
    مستتِراً خلف هان , حيوان بوجه بشر!! عيناهُ مُخيفتان وطولهُ عن الإرض نِصفَ مِتر 
    قهقهَ هان ثمَّ همسَ لـ [مِلِفاي] : إلتقطي صورة لنا , بسرعة .
    وعى يوتاكا وسمعَ همسَ [هان] لكنّه لم يبتعد البتّة , 
    لا يُريدُ تكرار تلكَ المأساة , ذلك الشعور الذي يجعلك تشعرُ إنَّكَ غيرُمذكور .
    تنهّدَ يحكُّ شعره الذي عادَ لِلونهِ الأسود , بطريقة وكأنّهُ يُعاني مِنْ بكتيريا ما في فروة
    راسه , وبكلِّ حِنوٍ ربّتَ على رأس المذعور , خمّنَ إصابتهُ بحالة نفسيّة , سيعتادُ على 
    هذا بمرور الوقت , 
    سارَ الجنيّ تِجاهَ هان ويوتاكا , كان الكُل يراقِب بصمتٍ , نقيقٌ صدرَ مِنهُ كما لو كان 
    ضِفدَع! فكشر هان على أسنانه غضبا : هيّا إنقلع وإلّا !
    كالضباب إنقشعَ , يبدو إنَّ المسكين مُطيع لأوامر هذا المتعجرّف , فقد إنصاح مُختفيّاً
    كما طُلِبَ مِنه! . جلسَ على المِقعد بائسَ التعابير , رُهاب يصيبهُ حينَ يرى تلك الحوادث
    تتكرّرُ , مُطأطئاً رأسهُ تمتمَ : والأن؟ لا شيء تغيّر أمي ! لم اتقدّم خطوة !
    عضَّ شفتيهِ نادِماً , حينَ إلتَهَمها بـ نَهَم , مُبتغاهُ كانَ المُضيّ فبكلتيّ الحالتينِ هوَ خسرَ
    ما يُسمّى عائِلة , سواء أكلها أم لم يفعل لن يُغيّر هذا مِن واقعه المُهين , وها هو ذا 
    في مكانهِ جالِس , زادهُ ذلكَ خوفاً , سماعهِ لـ "الدِماء" يبث في قلبه روعاً شديداً !
    رُبّما عليهِ الموت , فهو منجاهُ الأصل .
    قاطعَ التفكيّر المطوّل إمساكِ [مِيليفاي] لـ الربطة الحمراء المحوّطة لرقبتهِ , الشريطُ
    مُنسدل , لم يكلّف نفسهُ في ربطها حتّى , أمسكتهُ تُدغِم اليُمنى باليُسرى وتلفّهُما 

    ــ لا تقل لي إنَّ أُمكَ من كانت تربط لك ربطة العُنق , وَيلُكَ لو تُرِكتَ وحدك!

    أظنّكَ غير قادر على ربط حِذاكَ أيضا . 

    عقدَ حاجبيه وبنصف عينٍ ردَّ : أنا أكره ربطها , لا إنّي غير قادر على ذلك , أنتِ

    أصغر منّي أليس كذلك؟ لا تمثّلي دور ذات المعرفة!

    ــ فهمت , لستَ أكبر منّي بل أنا الأكبر , عمري ثمانيةَ عشر سنة . 


    تركتهُ خارجة من الصف بـ إبتسامة ماكرة , بينما هوَ تكادُ الأجفان تترهّل من شدّة 

    إتِساعَها , أغمض عينيه بعد دقائق مفكّراً : حسنا , العمر لا يُهم , فأنا الغبيّ الذي قاسَ
    عُمرُها بطولها وطفوليّتها .. أهدأ , أهدأ .
    خرجَ بعدها , ماشيّاً , لم تكن ما تُسمّى "المدرسة" بالبعيدة عن غُرفته , فهم تحتَ الأرض
    لكن ما يُثير تساؤلهُ كيف للتيّار الكهربائي الوصول لهذه الغابة؟ 
    شردَ قليلاً فـ إصطدمَ بأحدٍ ما , سقطَ يوتاكا أرضاً بينما الأخر إبتسمَ مادّاً يدهُ 

    ــ هل أنت بخير؟ إعذرنّي كنتُ أفكّرُ قليلاً .


    هزّ رأسهُ لها نافيّاً , ممسكاً بيَدَها .. كأنّهُ راها مِن قَبل ! صوتُها مألوف لهُ لكنّها

    لا تبدو بخير , وجهها مشوّ , سألها مستفسراً

    ــ ما هوَ إسمُك يا آنسة؟ 


    تفاجأت قليلاً : ما بِكَ يوتاكا , هل نسيتَ إسمي؟

    صُدِمَ مِن معرفتها لـ إسمه! وقبلَ أنْ يُجيب سمِعا صوتاً منزعِج النبّرة 
    ــ من الذي سمحَ لكِ بالخروج؟ أنتِ لا تعينَ ما أقول مُطلقّاً! ألا تعرفين ما حالكِ؟
    إستدارتْ فوجدتهُ خلفها , إمارات الوعيد تصدرُ منه! , لا تعلم كم هوَ قلقٌ عليها وعلى
    صِحّتها المتدهوّرة , أنكسنْ رأسها ولم تشعر إلّا وهي مُرتَفِعة عن الأرض .
    بقيتْ صامِتة , فمن قسمات وجهه المتجعّدة أدركت إنَّ المزاح والجدال يجبُ أنْ يؤجّلا 
    لوقتٍ آخر, سئلتهُ بينما يمشي : [هان] , هل يوتاكا يعاني من فقدان للذاكرة؟ 
    ــ لا , لِمَ السؤال؟ 

    ــ هوَ لم يعرفني ! هل لأنّه لم يرني منذُ وقتٍ طويل؟ ليس من النوع الذي ينسى اصدقائه!


    مُكمِحةً رأسها , وتلكَ العيون .. تأسّف على نفسهِ , لا أملَ لهُ معها , تكادُ تبكي لأنّهُ فقط

    لم يتذكّرها! وفوق هذا لا يعرفُ بماذا يُجيبها؟ لا شكَّ في كونها لم ترَ شكلها في المرآة
    كي تتفاجئ من عدم التعرّف عليها , أصدرَ حمحمةً من حنجرتهِ مُجيباً 
    ــ شكلُكِ تغيّر , أنظري فـي المرآة حين نصل لغرفتكِ .
    شعورٌ غريب لفّهُ سببٌ مجهول , تابعتْ الحديث : وأينَ نحنُ الأن؟ غريب إنَّ يوتاكا 
    موجود هنا .. هل هوَ فندق أو ما شابه؟ 

    ــ لا ليسَ فندقاً , كم أكره الشرح! ما رأيكِ بسؤال غيري؟ 

    إستائت مِنْ تكاسله , ليسَ غريباً فهكذا طباعهُ ! 

    داستْ قدميّ هان على الأرضية المُقابِلة للغرفة , فتحَ الباب , ليسَ مقفولاً فعرف 

    بوجود الضيف الثقيل فيها , وفعلاً تخمينُهُ صحيح , وجده جالِساً على السرير
    يضعُ رِجلا فوق أُخرى , أزعجتهُ تِلكَ النظرة التي ينظرُ إليه بها لكنّهُ تجاهلَ ذلك 
    معاوِداً الإلتِفاف يميناً وما زالتْ  ناتاكي على ذِراعيهِ راقِدة .
    أنزلها بـ حذر أمام المرآة , تسمّرتْ , كما لو كانت الريحُ تكتّلتْ جُزيئاتها وخريرَ المياهُ 
    لا يُسمَع , إمارات تائهة , تبحث بعينيها عن نفسها ,  هل هذه القبيحة هي حقّاً؟ 
     بكت دون أن تَشعُر , تجيدُ إصطناعَ الإبتسامة عادةً لكن , لم تستطع حبسَ القَهر 
    اكثر , ضمّها أخوها قائلاً بـ نبرة مُزيّفة مُرتجِلاً لـِ بعضِ الكلمات المًشجِّعة 

    ــ لا تبكي , سيعود وجهُكِ نَظِراً بالتأكّيد , مسألةُ وقتٍ لا غير .. 


    لم تَكُن الغبيّة لتصدّق حديثاً عابِراً , ولِإوّلِ يومٍ يراها تجهشُ هكذا ! أيّقن فائدة حديثه

    المغبرِّ بالكَذِب , فـ شدّ ضمّها إليه في حسرة .
    راقَبَهُما الأخر بـ صَمتْ , لسببٍ ما لم يعجِِبه المَنظر الدراميّ هذا , نفضَ الإنزعاج 
    عنهُ مُصَلعِماً إياهُ من جذورِ الحبِّ المكنون .,. زَجَرَ  القولَ الغير مفهوم 
    ــ إبتعد عنها , كُلُّها خدوشِ قِط .. كفّي عن العِواء !
    لم يعتقد إنّهُ سيتطيع إضحاكها هكذا ! إبتعدت عنهُ كتنفيذٍ لِأمره الطفوليّ , تُكَركِر 
    مُشفية على السقوط لو إمساكـ ِ [هآن] لـِ يدها , تركتهُ رادّة 
    ــ حسنٌ سيدي القط , ألن تُخبرني ماذا تُريدُ منّي؟ 

    ــ سَلي الواقف بجانبكِ ..

    إختَفَتْ إبتِسامَتُها , مُحدِّقة بهِ .. كررتْ سؤالها لكن لم تتلقَّ إجابة !
    إستراحتْ الأحداث متتوّجة بتاج الخيانة , تراهُ طيفاً أمامها , تشويشاً لم تشهدهُ مِنْ قبل
    وآخر ما سمعتهُ صوتْ الجنّي بـ أصداء عالية : سأُريكـِ الوهمَ الحقيقيّ!
    مُتفاقمة الحالِ كانت تمشي  وسطَ حرٍّ شديدٍ , خُيّل لها إنَّ الشمسَ ستسقُطُ فوق رأسَها
    من شدّة قُربَها , تكوّنت لها صورة  بعيدة , بركّة ماء مُسطّحة مُنسابة وسط الرمل 
    الحار , مشتْ بترنّح , فجِراحها بدأتْ تنزف , تظنُّ ما تراهُ وهماً حقيقيّاً كما قال فلو كان
    حُلمَ يَقَظةٍ لما تألّمت وعَطِشَتْ هكذا , حينَ وصلتْ للبِركة تفاجأتْ بـ إمرأة مُعلّقة بنخلة 
    جِذعِها متين , هرعتْ إليها لكنّ الآوان فاتها فقد إرتحلتْ بعيداً , كانت ميّتة لا ملامح لها
    وجهُها مُذاب وجَسَدُها تملؤهُ الحُروق , ظهرَ أمامَها فجأة مُستَنِداً على جِذع الشجرة 
    إستفهمتْ بغضب : ما الذي فعلته! أينَ أنا ومن هذه وكيفَ صارَ هان لا أراهُ !
    ــ أنتِ في داخل عقلي الآن , هذهِ والدتُ مَن تسئلينَ عَنهُ .
    ــ ما الذي تقصده؟ 

    ــ إنظُري خلفكِ.

    إستدارتْ حيثُ أشار , وما كان يريدهُ رأتْ , طِفلاً يُصلَبُ ويُرجَدُ بما يلقون من أحجار 
    شعرتْ بـ الآسى تِجاههُ , يبكي حابِساً للصوت مما جعلَ وحهه يَحمَرّ !
    إلتقط أحد رِجال الكنائس خنجراً حادّاً فطعنهُ طعنةً أدمَتْ ذِراعهُ العارية , قال ساخِطاً

    ــ قال حفيدي قال , كيف لي أنْ أقبل بـ حفيدٍ لا أعرفُ أباه؟ ستُلاقي مُستقبلاً سيئاً يا إبنَ 

    تلك الفاجرة , حسرتي الشديدة على نفسي , هذا ما أُلاقيه من أبنائي ! 
    ما فهمتْ كُلَّ شيء , إستدارتْ تتفحّص الجُثّة المُعلّة بعينيها , ثم إنقلب نظرها لهُ سائلة 

    ــ هل ذاكَ إبنُ هذه؟ 


    ــ قُلتُ مُسبقا , نعم  .. وذاكَ الطِفلُ هو [هان] .. سأنهي خيالك الأن لقد تعبت .


    [توشيما] مبنى [هساكين] | الطابق الخامس .


    أُكمِلتْ الحُجَرُ الخمسة الأولى , حًوتْ على 50 فرداً ما بين السابعة عشر إلى العشرين 

    من اعمارهم , والصدمة في نجاةِ خَمسٌ وعشرين شخصا فقط! 
    ماتَ نِصفُ العَدد ورُبعٌ أُصيبوا بـِ إعاقات جسديّة ونفسيّة , قِلّة هُم من  بقوا يُصارِعون 
    من أجلِ التنفّس , بِناءٌ ضخم جدّاً لم يكن مفتوحاً من قبل في ما عدا الشهرينِ هاذين .
    خَمسُ طوابِق , مُلِئتْ بتحشّداتٍ من مساكينَ ظنّوا النهاية آتية وسينتهي العذاب والخوف 
    في ذلك , لكن ما ذنبَ من يبقى حيّاً؟
    صارت الحياة مِن أدنئ الخيّارات التي يضغطون أزرارَ بدء اللُعبة عليها , 
    وفي ذاك المبنى , وِجِدَ مكتبٌ داخلَ غرفة متوسّطة الحَجمِ , في الطابق الخامس ذاته
    غرقَ في غموض ما لُوحِظَ قبل ثلاثة أشهُر مِن الآن يتذكّرُ ذلِكَ بين الفينة والأُخرى  
    قبلَ ثلاثة أشهُر !
    وكم يكرهُ هذه اللقطات , والمُزعِجُ تتكرّرُ دوماً , دخلَ شخصٌ ملئتْ الغلاظة صوت
    نِدائه , ظنّهُ ممن يصيحون عليه بِسببِ عدمِ حلّه لقضيّة الشابّة الميّتة , 
    وفي رفعهِ لرأسهِ وجدَ إنَّ الداخل أحدُ عُمّال البناء , سئلهُ بهدوء نبرة : ماذا هناك؟

    ــ سيدي , لقد وجدنا جُثّة من تُحقِقُ عنها تحتَ أنقاض الجزء الخلفيّ من المدرسة 

    وبسببِ قدامتها تهدّم بعضٌ مِن البناء , لكن لم يكن هذا سببَ قتلِها فقد خُنِقَتْ حتّى 
    الموت , وبقياس زمن وفاتِها , فقد فارقت الحياة قبلَ حدوث الحادثة , في الساعة السابعة
    وخمسٌ واربعون  دقيقة تقريباً , لم توجد الجُثّة بسبب عدم إهتِمامٍ من المسؤول 
    لكن , غريب إنَّ الحادث لم يثر ولو ضجّة بسيطة تُنبهُ طالباً فقط !

    نهض من مكانه مصدوماً : إذن , هيَ ميتة قبل أن يرنَّ جرس المدرسة حتّى!

    والمعنى .. ذلك الشخص الذي قتل الطبيب لم يكُن هي , ما روّهُ صحيح , ذكر كان
    لا أُنثى! 

    ــ أجل , لكن ما دامت تحرُّكاتهِ ليست بـ فِعل بشريّ فهذا يعني .. 

    أضاق وسعِ عينيه مُكمِلاً : شيطان!

    TO BE CONTINOU >{ 








    0 التعليقات

    أتركْ بصمَتَكَ هُنا :

  • .

    Follow us on facebook

    Featured Posts

    Contact Us

    Find Us

    Copyright © - شيطانة - شيطانة - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan